للشراء متوافر على :
تواجه النظم التعليمية في الآونة الأخيرة تحديا كبيرا، يتمثل في الوفاء بمطالب تحسين جودة التعليم للتفاعل مع التغيرات التي فرضت إعادة النظر في فلسفة النظم التعليمية وأهدافها، وبما جعل التحدي المعاصر ليس فقط في إتاحة التعليم لكل المواطنين، ولكن ضبط وضمان جودته والارتقاء بميزته التنافسية؛ وذلك لأن مستوى جودة التعليم يؤثر سلبًا وإيجابًا في معدلات التنمية البشرية المستدامة، فكلما ارتفعت معدلات الجودة في النظام التعليمي ارتفعت إنتاجيته، وهذا ما يعرف بالمردود التنموي للتعليم والقدرة على التنافس في ظل السباق الحضاري المعاصر.
وصاحب هذا الاهتمام المتنامي بالارتقاء بجودة المخرجات التعليمية الاهتمام بمجال إدارة المشاريع التربوية، والتي تنبثق أهميته من أهمية قطاع التعليم واقتصادياته التي تتمحور أهدافها حول الإنسان وتنميته وفق رؤية شاملة ومتكاملة اجتماعيا وعقليا وثقافيا، والذي يعد من أسمى الموارد الاقتصادية وأثمنها في المجتمعات الإنسانية ككل، حيث ارتبط تقدم المجتمعات ورقيها بنوعية وكمية الموارد البشرية التي بحوزتها، ولا تكتفي بذلك، بل أنها تسعى من خلال برامجها ومشاريعها التربوية إلى إكساب أبنائها مختلف المهارات الأساسية والاجتماعية منها والمستقبلية ليحققوا نجاحا يسلحهم بالمعارف والمهارات المستقبلية وتمكينهم من العيش بسعادة والعمل بكفاية وجدارة، ولتنمية قدرتهم على التعلم المستمر وفهم المعلومات الجديدة، والتعامل الجيد مع القضايا التي يواجهونها في واقعهم اليومي، وكذلك ليكونوا ناجحين في المدرسة وفي عالمهم الحقيقي ولتحسين مستوياتهم الأكاديمية؛ وبالتالي تطوير نمط حياتهم نحو الأفضل، واكتساب القدرة على التكيف بسرعة مع التغيرات التكنولوجية وتأثيرها على الفرد والمجتمع.
وقد أدى التطور الكبير في مجال التعليم إلى ابتكار عديد من الأدوات والأساليب التي تدعم مفاهيم إدارة المشاريع، فأصبحت المؤسسات المسؤولة عن التخطيط وإدارة منظومة التعليم تتبنى الأبحاث المتعلقة بتطوير أسلوب إدارة مشاريعها، وتعزز من فاعلية أدائها؛ مما ساهم في ظهور عديد من المنهجيات التي أثبتت جدواها في تحقيق نجاح مشاريع تلك المؤسسات لعل أهمها: المنهجية البريطانيةPRINCE2) )، ومنهجية المعهد الأمريكي لإدارة المشاريع (PMI). وفي الوقت نفسه؛ تنطلق الحاجة الملحة للمشاريع والبرامج التربوية كونها من الممارسات الإدارية التي تحاول أن تجد أو تبحث عن الخيارات والبدائل التعليمية، التي يمكن توظيفها في سد نقص، أو في الوقاية والعلاج، أو حل المشكلات، أو التطوير وتحقيق التنمية الفردية والمجتمعية على حد سواء، وهذا لا يتم إلا من خلال الاعتماد على دراسة موضوعية في تحديد الاحتياجات والأولويات في إنجاز الأنشطة والبرامج والمشاريع، الأمر الذي يتطلب وضع خطط واضحة تأخذ جميع المتغيرات (الزمن، والمكان، والتكلفة، والموارد...) في الاعتبار عند التخطيط للمشاريع التربوية.
ومن المعلوم، أن التعليم بمختلف مستوياته ومراحله يحظى بمكانة متقدمة في الدول الأعضاء بمكتب التربية العربي لدول الخليج. يدل على ذلك ما تعتمده الدول في برامج عملها من مشروعات تطوير مستمر لمؤسسات التعليم، ورفع كفاءة العاملين فيها، وتحديث للمناهج التعليمية، وفق التوجهات العالمية والممارسات الناجحة في تطبيقها، إلا أن هناك من الشواهد ما يشير كذلك، إلى تعثر العمل في بعض المشروعات أحيانا. ومثل هذا التعثر يرجع إلى أسباب متعددة، قــد تصاحب المشروع منذ ولادته، وإلى عوامل قد تشل حركة سير المشروع، ومن ثم فشله، والتخلي عن مواصلة العمل فيه. وفي كلا الحالتين خسارة في الموارد، وهدر للطاقات؛ لذا جاءت هذ الدراسة بهدف الوقوف على الأسس الفكرية لإدارة المشاريع التربوية، واستعراض أبرز الاتجاهات الحديثة في هذا المجال، إلى جانب الوقوف على أبرز الممارسات العالمية في إدارة المشاريع التربوية.